عندما تشعرُ أنّ حياتَك تسيرُ إلى غيرِ الاتجاهِ الّذي تُريد ….أو عِندما ينتابُكَ إحساسٌ بالغربةِ حتّى وأنتَ بين ذويك …..هنا عليكَ أن تتوقفَ بُرهةً لتنظرَ إلى الوراءِ قليلاً ….إلى سنواتِ عمركَ السّابقةِ وتسألَ نفسَكَ: هل حققتَ ما كنتَ تطمحُ إليه؟….. وهل أنتَ راضٍ عن حياتِكَ؟؟؟
فإذا كانَ الجوابُ: لا… حينئذٍ يجبُ عليك إعادة التّفكيرِ في مستقبلِكَ والنّظرَ إلى ما هو قادمٌ وتستعيد أحلامَك وطموحاتِك الّتي تودُّ إنجازَها
فالأوانُ لم يفت بعد وما زلتَ قادراً على استدراكِ الوقتِ لتستردّ ذاتك؛ فكلّ إنسـانٍ يمتلكُ قدرةً عظيمةً في داخلهِ وبإمكانِهِ استخراجها واستغلالها لتحقيقِ هدفِهِ…. تلكَ هي الأفكارُ والقناعاتُ الّتي دارت في رأسِ (بنان الدّمشقيّة) الّتي وُلدت في إحدى بلداتِ غوطةِ دمشقَ المعروفةِ ببيئتِها المُحافظةِ ذاتِ العاداتِ والتَّقاليدِ الظَّالمةِ أحياناً فلم تحظَ بحقِّها في إكمالِ دراستِها حالُها حالُ معظمِ الفتياتِ في مجتمعِها رَغم تفوّقِها وعِشقِها للعلمِ لكنّ ذلكَ لم يشفع لها أمامَ سُلطةِ وتحكّمِ المُجتمعِ الّذي يَعتبرُ أنّ مُستقبلَ الأُنثى مَرهونٌ بالزّواجِ والإنجابِ لتُطوى بذلكَ صفحةُ حياتِها فتُوءَد أحلامُها قَبلَ مَولدِها….. إلّا أنّ (بنان) لم تستسلم أمامَ هذه التّحدياتِ وحاولت تسخيرَ الظّروفِ المُحيطةِ بِها وجعلت منها جِسراً تعبرُ عليه للوصولِ إلى مُرادِها؛ فبعدَ زواجِها وَإنجابها لطفلين قَررت أن تتمرّدَ على واقعِها وتنفضَ الغُبارَ عن حلمِها الّذي بقيَ يُراودُها كحلمِ الشّاعرةِ /نازك الملائكة/ بمدينتِها الطّوباوية (يوتوبيا) الّتي بقيت متمسّكةً بهِ لآخرِ حياتِها؛ وبدأت بالخطوةِ الأُولى في طريقِها الّذي رَسمته وتَمكَّنت من إقناعِ زوجِها بأهميةِ مُتابعةِ الدّراسةِ بالنّسبةِ لها فكانَ لَها نِعمَ السّندِ وخَيرَ عونٍ لها؛ ثمّ واصلت السّيرَ بكلِّ عزيمةٍ وإرادةٍ واختارت أن تدرسَ منهاجَ الثّالث الثّانويّ الأدبيّ لأنّها تّعشقُ الموادَ الأدبيّة وتحديداً اللّغة العربيّة فهي تستعذبُ الشّعرَ وتتذوّق معانيه، وقد بذلت جهداً كبيراً ومضاعفاً كيلا تؤثّرَ على واجباتِها اتجاهَ بيتِها وأولادِها ولتثبتَ لِنفسِها أولاً ولمن حولها ثانياً أنّها قادرةٌ على الموازنةِ بين مسؤولياتِها ودراستِها…. وكانَ لها ما أرادت فقد تكلّلَ جُهدُها بالنّجاحِ حيثُ نالتِ الشّهادةَ الثّانويةَ بدرجاتٍ جيدةٍ جدّاً وبدأت تنسجُ خيوطِ الأملِ والإرادةِ رداءَ أحلامِها فقد سجّلت في كليةِ الآدابِ ــ قسنِ اللّغة العربيّةِ وآدابها ذاك الفرع الّذي طالما أحبّتهُ وأرادته بِشدةٍ غيرَ مكترثةٍ برأيِ أحدٍ من أعداءِ النّجاحِ فكانَ شعارُها دائماً: {سأحاولُ حتّى إن فشلت… فشرف المحاولة يكفيني}
وبعدَ مرورِ أربع سنواتٍ من الجهدِ والمثابرةِ تخرّجت ونالتِ الإجازةَ الجامعيّة وعمّتِ الفرحةُ قلبَها وبيتَها ليسَ لأنّها حصلت على مبتغاها فحسب وإنّما لأنّها حطّمت القيود التي كبّلتها ونسفتِ المفهومَ الخاطئَ الّذي يزعم أنّ المرأةَ خُلقت للزّواجِ وإنجابِ الأطفالِ فقط …وأنّ مهمّتَها مقتصرةٌ على هذين الأمرين؛ متناسين أنّها كيانٌ قادرٌ على تحدّي الظّروفَ الصّعبةَ وتحمّلِ المسؤوليّة وصنعِ القرارِ والتّغييرِ؛ لذلك حاولت نقلَ خبرتِها وتجربتِها إلى أكبر عدد ممكن من الناس؛ حيثُ درّستِ اللّغةَ العربيّةَ في معظمِ المدارسِ وكانَ لها بصمةٌ واضحةٌ وأثرٌ مميّزٌ في نفوسِ الطّلّابِ الّذينَ منحتهم الشَّجاعةَ والثِّقةَ بالنّفسِ إلى جانبِ العلمِ خاصّةً في فترةِ الحربِ حيثُ سادَ التّشاؤمُ وخيّمَ اليأسُ على قلوبِ الشّبابِ وواصلت مسيرتَها الإنسـانيّةَ والتّعليميّةَ حتّى بعدَ التّهجيرِ الّذي حصلَ فتطوّعت في عدّةِ منظّماتٍ إنسانيّة لمدّ يد العون للمحتاجيـن لها ولمساندة من ضاقت بهم السّبل وتقطّعت بهم الأسباب فهي صاحبة رسالة وهدف نبيل ….بقلم: بنان الدمشقية
رابط المقال ضمن النشرة الكاملة على فيس بوك