امـرأة اسـتثنائية في هواياتهـا رغـم كل المـآسي، تبـدو لمـن يقابلهـا كحجـار قلعـة حلـب الثابتـة عـلى أرضهـا لكـن الوضـع الراهن أرغمهـا عـلى اتخـاذ منحـى جديـد لطموحاتهـا وهواياتها.
«مريـم عبـد الصبـور الزعـل» مـن مواليـد «حلـب المدينـة «متزوجـة ولهـا أربعـة أولاد، مقيمـة بمدينـة اعـزاز بعـد أن تهجـرت مـن مـكان مولدهـا الأسـاسي «حلـب المدينـة».
تهـوى مريـم الإعـلام وتوثيـق الأحـداث المحيطـة بهـا، أو التـي تتعـرف عليهـا عـبر أي وسـيلة إعلاميـة، أمـا أكـبر طموحاتهـا حالياً «أن تحصـل عـلى الشـهادة الثانويـة العامـة« لتبـدأ الخطـوات الحقيقيـة لتحقيـق طموحهـا وحلمها.
لنتعـرف أكـثر عـلى شـخصية مريـم الجريئـة والمدافعـة عـن حقهـا، قابلنـا مريـم في بيتهـا وبـدأت تـسرد لنـا جـزءاً مـن معاناتهـا التـي تجاوزتهـا بصبرهـا وفطنتهـا فتقول:
«عشـت طفولـة عاديـة كأي طفـل يعيـش مـع عائلـة حنونـة وسـعيدة، حتـى وصلـت إلى عمـر الثالثة عـشر، وهنا بـدأت معاناتي بعـد أن اعتقـل أبي عـلى يـد قـوات النظـام، وكان أخـي لا يـزال صغـيراً ولا يمكـن الاعتماد عليـه في الاحتياجـات اليوميـة لعائلتي.
تتابـع مريـم حديثهـا عـن أوقـات عصيبـة مـرت في حياتهـا وكانـت سـبباً كافيـاً لتغيـير
شـخصيتها للأفضـل «بحسـب رأيهـا».
أردفــت مريــم الحديــث قائلــة «توافقــاً لرغبــات أبي الــذي كان يبعــث لنــا الرسـائل السريـة للاطمئنـان علينـا والوصايـة بنـا، وافقـت عـلى الـزواج مـن أحـد أقربـائي بسـن مبكـرة حتـى يكـون سـنداً قويـاً لي ولعائلتـي ويحمينـا بغيـاب أبي، وأخـذ والـدي عهـداً منـه بـأن أكمـل دراسـتي التـي كنـت أعتبرهـا حلـم حيـاتي، لكـن الظروف المعيشـية الصعبة وإنجـابي لطفـي الأول كان حاجزاً
أجـبرني عـلى تأجيـل فكـرة الدراسـة، عـدا عـن أن زوجـي عـاش في منطقـة تتخـذ مـن فكـرة دراسـة المـرأة أمـراً تافهـاً لا يعمـل بـه بعـد زواجهـا وكـما يقولـون « المـرأة لبيـت زوجهـا فقـط ».
في سـنوات الثـورة الأولى تعـرض زوجهـا للاعتقـال، ومـن هنـا بـدأ التغـير في شـخصية مريـم عندمـا حاولـت التعـرف عـلى الأسـباب التـي دعـت لاعتقـال زوجهـا وذهبـت تبحـث عنـه في كل مـكان لتصـل إلى أي معلومـة تسـتدل بهـا عليـه.
«لم تجــد مريــم معينــاً لهــا ولأسرتهــا حتــى مــن أصدقــاء زوجهــا الذيــن كانــوا قبــل اعتقالــه ال يفارقونــه والأســوأ أن أقربائـه أيضـاً قابلوهـا بالتجاهـل والنسـيان، بعكـس بعـض رفيقاتهـا اللـواتي مـددن يـد العـون لهـا» كـما تعرضـت مريم لضغوطـات كبـيرة في فـترة اعتقـال زوجهـا منهـا إخراجهـا مـن منزلهـا عنـوة، مـا اضطرهـا للاسـتئجار مجـدداً وزيـادة
المتطلبـات الحياتيـة أكـثر.
عندمـا تكـون المـرأة أمـام مواجهـة حقيقيـة مـع المجتمـع المتعصـب حولهـا، سـتؤدي دور الرجـل والمـرأة حتـى تسـتطيع أن تعيـش وهـذا مـا فعلتـه مريـم عندمـا وجـدت نفسـها مخـيرة أمـام أمريـن أحلاهـما مـر، الأول: أن تقاتـل الجميـع بفكرهـا وصبرهـا والدفـاع عـن حلمهـا وطموحهـا أو أن ترضـخ لهـم وتعمـل بمـا يأمرونهـا دون أن تنطـق كلمـة لا في وجههـم عـلى أي أمـر منهـم، المهـم أنهـا امـرأة وتـسري عليهـا قوانـين الزوجـة المحكومـة بأربـع جـدران هـي «بيتهـا« فقـط حتـى يخـرج زوجهـا مـن الاعتقـال بحجـة ألا تتعـرض لـكلام يـسيء لحياتهـا وعائلتهـا بغيـاب زوجهـا.
لم يغـب عـن عيـون مريـم وبالهـا حلمهـا، فتابعـت هواياتهـا والتحقـت بعـدة دورات تعليميـة في اللغة التركيـة، وواظبت عـلى تدريبـات تحبهـا وشـغوفة بهـا كالتدريـب عـلى تطويـر الـذات والشـخصية القويـة، وهـي الآن وبـكل فخـر عضـوة في وحـدة دعـم وتمكـين المـرأة التـي أثـرت في شـخصيتها للأفضـل وجعلتهـا تؤمـن أنهـا امـرأة قويـة تسـتحق النجـاح والتميـز، ويمكنهـا السـعي لتحقيـق حلمهـا، واليـوم تشـارك مريـم بالفعاليـات الثقافيـة والإعلاميـة التـي تتـم في المركـز التدريبـي التابـع لوحـدة دعـم وتمكـين المـرأة.
الحلم لا حدود له والوصول إليه ليس مستحيلاً طالما هناك شغف وإرادة.
رابط المقال ضمن النشرة الكاملة على فيس بوك