في مجتمعاتنــا المحليــة، كثــيرا مــا تتعــرض النســاء والفتيــات للعنــف القائــم عــلى النــوع الاجتماعــي بكافــة أنواعــه، لا ســيما العنــف الأسري، فمــن منــا لم يســمع بقصــص للنســاء تعرضــت لــذاك النــوع مــن العنــف.

 يعــرف موقــع «ويــكي جنــدر» العنــف القائــم عــلى النــوع الاجتماعــي بأنــه: «أي عمــل مــن أعــمال العنــف البــدني أو النفــسي أو الاجتماعــي، بمــا في ذلــك العنــف الجنــسي، الــذي يتــم ممارســته أو التهديــد بممارســته مثــل العنــف، أو التلاعــب بالمفاهيــم الثقافيــة، أو اســتخدام الأســلحة، أو اســتغال الظــروف الاقتصاديــة»، وللعنــف انعكاســاته جســدية خطــيرة تتجســد في ضرب النســاء وتــرك آثــار للكدمــات، أو كســور، ورضــوض، وفقــدان الأســنان، أو حــروق أو تشــويه وغيرهــا مــن الآثــار التــي قــد تــترك بصمتهــا عــلى أجســاد النســاء. كــما يخلــف العنــف آثــارا نفســية جســيمة قــد تمتــد لســنوات مثــل الاكتئــاب والقلــق أو والتفكــر بالانتحــار في بعــض الأحيــان.

وغالبــا مــا يتــم التعاطــي مــع العنــف الأسري عــلى أنــه «شــأن شــخصي « ليبقــى ضمــن العائلــة، فيســتغل الأب والأخ أو الــزوج ســلطتهم عــلى النســاء والفتيــات ليعنفــوا نســاء عائلتهــم باعتبارهــم الأوصيــاء عليهــن، إذ كثــيراً ما نسمع عن شجارات داخل الأسر، ثم يتم تجاهل الأمر باعتباره شأن عائـلي حســب العــادات المجتمعيــة.

كــما أن بعــض المجتمعــات تنظــر للنســاء عــلى أنهــن كيــان تابــع للرجــال، ولا يحــق لهــن أن يتخــذن قراراتهــن الشــخصية والمصيريــة إلا بالرجــوع لإحــدى رجــال العائلــة، إذ يتــم النظــر للنســاء والفتيــات عــلى أنهــن ملكيــة خاصــة للرجــال، وأي قــرار تتخــذه النســاء هــو ليــس خــاص بهن بــل يمــس شرف عائلتهن.

 للتنشــئة الاجتماعيــة دورا كبيراً في نقــل الموروثــات الاجتماعيــة والعــادات والتقاليــد، فيتــم تنشــئة الفتيــات منــذ الصغــر عــلى أنهــن لا يســتطعن أن يتخــذن أي قــرارات، وأن رأيهــن ليــس لــه قيمــة مقارنــة بــرأي الرجــال، ومــن المعيــب للنســاء أن تشــكل كيانــا ًمســتقلاً خــارج أو داخــل منزلهــن.

بالعــودة إلى جــذور العنــف المبنــي عــلى النــوع الاجتماعــي وأســبابه، والتــي تدفــع ببعــض الرجــال للقيــام بتعنيــف النســاء والفتيــات، نجــد أن (الأعــراف المجتمعيــة) تأخــذ دوراً كبيراً في تصدير أفكار نمطية عن الرجل القوي والمسيطر على زوجتــه في كثــير مــن الأحيــان، ويــزداد إعجــاب المجتمــع بالرجــال حــين يقومــون بممارســات عنيفــة كــضرب النســاء، أو حرمــان الفتــاة مــن إكــمال تعليمهــا وتقييــد حريتهــا بمنعهــا مــن العمل، كــما للتربيــة الأسريــة أثــراً كبيراً في زرع وقبــول أفــكار العنــف.

ومــن الأســباب الأخــرى للعنــف الأسري « محــاكاة العنــف الأسري» فلربمــا يكــون المعّنـف شــاهد أو قــد تعــرض لموقــف مماثــل في طفولتــه مــن العنــف الأسري، فيصبــح عــدواني، مــع الرجــل، كــما قــد يعــاني بعــض المعنفــين مــن اضطرابــات شــخصية ونفســيه.

مديــرة مكتــب الدعــم النفــسي الاجتماعــي التابــع لرابطــة المحاميــين الســوريين الأحــرار « امتنعــت عــن ذكــر اســمها لأســباب شــخصية » تحدثــت لنــا عــن بعــض النســاء المعنفــات ونظــرة المجتمــع تجــاه العنــف، وتقــول أن حــالات العنــف الأسري ازدادت في الســنوات الأخــيرة ; بســبب الوضــع الاقتصــادي والتغــير المفاجــئ بتــداول العملــة، فبعــض النســاء تــبرر العنــف الأسري بســبب الوضــع الاجتماعــي، والخــوف مــن العــار، وينظــر للعنــف عــلى أنــه أمــر طبيعــي متأصــل في الأسر.

ضمــن ســنوات الثــورة والنــزوح والتهجــير; انخفضــت نســبة التبليــغ عــن العنــف بســبب خــوف النســاء مــن فقــدان معيلهــن الاقتصــادي أو فقــدان الســكن لعــدم وجــود أقربــاء او عائلــة ضمــن المنطقــة قاطنــين بهــا وبســبب ظــروف المنطقــة وصعوبــة تأمــين منــازل آمنــة للنســاء المعنفــات وهــو إحــدى الأســباب التــي تمنــع النســاء مــن الإفصــاح عــن العنــف الــذي تتعــرض لــه.

ولا يمكننــا أن ننــسى أثــر العنــف عــلى الأطفــال فهــم ليســوا بمأمــن عــن بيئــة تقــع فيهــا أحــداث عنيفــة، إذ يحــدث أن يتــم اســتخدام الأطفال كوســيلة ضغــط عــلى النســاء والأمهــات، فيرغمــن عــلى تقبــل العنــف المــمارس ضدهــن لمنــع تــشرد أطفالهــن أو انفصالهــم عنهــن، أو تعنيــف الأطفــال أنفســهم مــن قبــل الــزوج وأقربائه.

يؤثــر العنــف الأسري عــلى الصحــة النفســية للأطفــال ويــؤدي إلى اضطرابــات تــودي لفقــدان التحكــم بالغضــب وانهيــارات نفســيه ويصبــح الطفــل أو الطفلــة أكــثر قابليــة لتبنــي ســلوك عــدواني مثــل التنمــر.

تــأتي أهميــة الإبــلاغ عــن العنــف بالحــد مــن العنــف المــمارس ضــد النســاء، كــما يســاهم تبليــغ النســاء قــدر المســتطاع في حمايــة غيرهــن مــن النســاء، حيــث قــد تتغــير رؤيــة المجتمــع للعنــف، بحيــث يصبــح الــكل مســؤولاً بشــكل جماعــي أو فــردي لإيقــاف المعنفــين/ات. 

وللمشــاركة والتفاعــل مــع هــذه القضيــة، يقــدم مركزنــا عبر مكاتــب إدارة الحالــة وخدمات الدعــم النفسي الفــردي والجماعــي ;جلســات توعيــة وحمــلات منــاصرة وتأمــين مســاحة آمنــة للنســاء، ونقــدم استشــارات قانونيــة ووســاطة بالإضافــة لتدريبــات توعيــة بالعنــف القائم عــلى النــوع الاجتماعي».

وقــف العنــف عمليــة بســيطة تســتدعي عــدم ممارســته وهــو واجــب إنســاني ومســؤولية أخلاقيــة تجــاه أنفســنا والآخريــن، وعــلى الفتيــات والنســاء اتخــاذ قراراتهــنّ بأنفســهن، واحــترام خياراتهــنّ ومواقفهــنّ المســتقلة وحريتهــنّ بالتعبــير دون قيــد أو شرط محكــوم بالجنــس.

زينــة ابراهيــمّ

رابط المقال ضمن العدد 14 على فيس بوك

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid0ZzqVZKdntFo5AmQHkhxW8ADEuo4tgvhMTsxwbEueMXekJ42LK9YnDmP5gBku2BE3l&id=250785795439022&mibextid=Nif5oz