في خضم الحرب الدائرة في سوريا بعد اندلاع الثورة السورية والتي امتدت على مدار اثني عشر عاما متتالية وما زالت مستمرة، نتج الكثير من المشكلات الحقيقية التي لا يمكن غض النظر عنها وذلك على كافة الأصعدة، كنتيجة طبيعية ومنطقية لما تمر به البلاد وأهلها.

وأكثر المتأثرين في الحروب عامة هم الفئة الأشد ضعفا في المجتمع مثل النساء والأطفال، وقد كان للأطفال نصيب كبير من المعاناة خلال الحرب السورية وعلى وجه الخصوص أولئك الأطفال الذين ولدوا خلال سنوات الحرب والذين يبلغ أعمار بعضهم اليوم اثني عشر عاما.

يواجه عدداً كبيراً من الأطفال السوريين داخل وخارج البلاد خطر انعدام الجنسية وما يترتب عليها من حرمان لحقوقه الأساسية في الصحة والتعليم وغيرها عدا عن الآثار النفسية والاجتماعية التي تلحق بالطفل\ة وفقا لحالته، حيث تعود حالة فقدان الهوية تلك لأسباب عدة منها عدم تثبيت زواج الأبوين وبالتالي يولد الطفل دون شهادة ميلاد ويكبر دون أي وثائق مدنية تثبت هويته، أو الأطفال الذين لا يعرف أصل آبائهم كما في حالات زواج السوريات من مقاتلين أجانب جاؤوا للقتال في سوريا، وأيضا في حالة عدم السماح لأحد الوالدين بمنح جنسيته لأولاده والأطفال الذين حرمتهم الحرب من آبائهم بالإضافة للأطفال مجهولي النسب والأطفال الذين ولدوا لمغتصبات أثناء الحرب وخاصة في مراكز الاعتقال أو أطفال لعائلات فقدت أوراقها الثبوتية خلال القصف والنزوح والتهجير، وأبناء السوريات المتزوجات من غير سوري وغير ذلك.

تقول “مها الأحدب” وهي سيدة سورية تزوجت من مقاتلين أجانب خلال تواجدها في مدينة الرقة أثناء سيطرة الدولة الإسلامية “داعش”: “تزوجت ثلاث مرات تحت ضغط عائلتي، ففي المرة الأولى تم تزويجي من رجل من أبناء البلدة يكبرني بخمسة وعشرين عاما وأنجبت منه طفلا ومن ثم طلقني طلاق تعسفي لصغر سني حيث إنني لم أتجاوز الأربعة عشرة أعوام حينذاك ولم يعترف بالطفل وبعد عدة سنوات تزوجت من رجل يمني وأنجبت منه طفلة وبعد موته زوجوني من رجل سعودي وأنجبت منه طفلتين وأيضا قتل هو الآخر، والآن أواجه صعوبات كبيرة في التعامل مع حالات أولادي ولم أستطع تسجيل أي منهم حيث إنني لا أعرف أسماء آبائهم الحقيقية باستثناء الزوج الأول والذي رفض تثبيت الزواج أو الاعتراف بالطفل ولا أعرف كيف يمكن أن أحل هذه المشكلة التي بدأت تظهر آثارها في سلوك أبنائي يوما بعد يوم من خلال حالات العزلة والحزن من عدم قدرتهم على معرفة أصول آبائهم ومن يكونون”

وبالتأكيد على كلام “الأحدب” تقول الإخصائية النفسية “راما جلال” “لا يستطيع هؤلاء الأطفال عديمو الجنسية في أغلب الأحيان الحصول على أوراق ثبوتية ويعانون من القيود الصارمة المفروضة على حقوقهم وحرياتهم مما يعرضهم لخطر العنف والاستغلال بشكل أكبر من باقي الأطفال نظرا للظروف الصعبة التي يمرون بها والتي تجبرهم على عدم الالتحاق بالتعليم واللجوء للعمالة بشكل مبكر وأيضا صعوبات بالحصول على الخدمات الصحية بشكل عام عدا عن الآثار النفسية المتمثلة بفقدان الثقة والاكتئاب وفقدان الشعور بالانتماء وغير ذلك”.

وتقدر اليونيسف بأنه يوجد في سوريا ما يقارب 29000 طفل أجنبي معظمهم ممن تقل أعمارهم عن 12 سنة، وهم جميعا ضحايا لظروف مأساوية وانتهاكات جسيمة لحقوقهم، ويجب التعامل معهم والاعتناء بهم كأطفال.

وبحسب الحقوقية “رنا العبود” يجب تيسير إجراءات تسجيل الميلاد لهؤلاء الأطفال حتى يتمكنوا من الحصول على وثائق تساعدهم في الوصول إلى الخدمات الأساسية من تعليم وصحة دون أي عوائق قانونية وضمان عدم تعرضهم للتمييز بسبب الظروف التي فرضت عليهم عدم امتلاك هوية قانونية على اختلاف حالاتهم لأنه من الحق الطفل اكتساب الجنسية والهوية وفقا للمادة (7) من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة “

ولا وجود حتى الآن لأي مبادرات ساعية لحل قضية انعدام الجنسية للأطفال المتواجدين في سوريا من خلال تنظيم أحوالهم الشخصية لحين حل قضيتهم بشكل نهائي، حيث يحتاج الأمر لاستقرار إداري وسياسي وعسكري تفتقر له المنطقة يوما بعد يوم.

بقلم: كاميليا التمرو